تحميل...

ما اصعب ان يتجمد شعور الانسان ويعتزل عن مجتمعه

عندما ينسد الأفق امام الناس ولا يستطيعون تغير واقعهم , وعندما تكثر المصائب والحروب وسفك الدماء وينقطع الامل ,يشعر الكثير من الناس ان إنسانيتهم محطمة مهشمة نتيجة اصطدامها اليومي مع الواقع المر ونكد الحياة الذي يعيشونه وعن ضمير مجتمعهم المأزوم بالشقاء والتعاسة , وهم بهذا إنما يهربون من واقعهم الاجتماعي المؤلم، أو من محيطهم الإنساني وحالة العيش المملؤة بالشقاء والهموم والنكد ,فلم يعد يحسون ويشعرون ولم تعد عواطفهم ومشاعرهم تطيقها أو تتحمل الصبر وتمتلك الطاقة على ويلاتها وتعاستها.. فلم يتمنوا شيئاً يخلصهم وينجيهم ويجعلهم بعيداً عن هذه الهموم والمواجع والآلام الإنسانية إلاّ ان يصبحوا حجراً!! لا يشعروا ولا يحسوا ولا يعون ولا يألموا ولا يحزنوا أو يبكوا ولا يتحطموا وإنما تتحطم فوقهم معاول المتاعب والمحن!!

وتلك حالة يمر بها كثير من أبناء البشر وبالذات من ذوي النزعات الخيرة والذين يؤمنون برسالة الإنسان في الكون و بوظيفته الأخلاقية، أي رسالته التي تقتضي ان يتحمل أمانته كمخلوق استثنائي منحه الله طبائع ترفض الشذوذ، والانحراف بالخلق الإنساني و بالناموس الوجودي.

قديماً كان بعض بني البشر حينما يخفقون في معركة الصراع مع الشر ويفشلون في مواجهته ينسحبون بذواتهم إلى العزلة.. العزلة مع الذات، ومن ثم فإنهم ينسحبون من الكون الخارجي من حولهم إلى كون داخلي كون مثالي خير، يستطيعون فيه ان يصنعوا وان يفعلوا وان ينجزوا ما خسروه من سعادة في كونهم الخارجي، فيلجأون إلى الصوامع والكهوف .

واستطيع ان أجزم ان في عالمنا اليوم ملايين من بني البشر الخيرين الذين يحاولون الاعتزال، والاغتراب عن عالمهم المليء بالظلمات والظلم والمحن والدماء والكراهية والقسوة المليء بالحيف والعنف والاستبداد والنفاق والعمالة والنذالة والجور الذي يمارسه أولئك المحقونين بكراهية البشر أو المعتقد ومن الذين أعمى الله بصائرهم عن الحق فراحوا يجدفون ويجحفون بوقوفهم المشين إلى جانب الظالم أو العدو التاريخي المغتصب والشيطان الرجيم, لأن الله أعماهم وأصمهم وجعل على قلوبهم أكنة، وفي آذانهم وقراً فهم في غيهم يعمهون، وقد زين لهم سوء عملهم فاشتروا الخسة والدناءة بالهدى وقول الحق.. ولكن في النهاية ومهما طال عمر الظلم والشر وطال عمر أهله فإن الحق سوف يصرعه وينتصر عليه وكان وعده مفعولاً.

الدكتور صالح نجيدات

 

...