العنف وليلة السادس عشر من نوفمبر وتحديات المجتمع العربي
لم يفقه المنتخبون من النواب العرب من كافة الاحزاب ورؤساء اللجنة القطرية والمتابعة ورؤساء المجالس المحلية والبلدية العربية، انه يتوجب عليهم العمل على إيجاد خطة وصيغة بنيوية وجذرية وجوهرية، لمواجهة العنف في المجتمع العربي، ويتتابع في خضم هذا العام العنف في مجتمعنا، ليصل إلى عشرات القتلى شهريًا في الجليل المثلث والنقب، وما حدث ليلة السادس عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني، يعتبر اسوأ ما يمكن أن يتخيّله المرء، حيث قُتل بدم بارد ثمانية شباب عرب من كافة المناطق في ليلة واحدة.
إن آفة العنف في مجتمعنا العربي هي حديثة وليست كما يقول الكثيرين بان العنف هو من طبيعة مجتمعنا، بحيث أوقعت الكثير من الضحايا في دولة تدعي حكم تطبيق القانون والمؤسسات، لقد حاولت الشرطة والحكومة السابقة تسويق الخطة 9226 لدعم المجتمع العربي، لكن ما يقف وراء هذه الخطة كان بالأساس ضخ الأموال لوزارة الأمن الداخلي وإعادة هيكلة عمل الشرطة في المجتمع العربي، والتي تمثلت بتجنيد المخبرين ورجال شرطة عرب إلى صفوفها، لكن هذه الخطة فشلت فشلًا ذريعًا، أما اليوم فقد بات من المؤكد أن هذه الأموال التي رُصدت لوزارة الامن الداخلي، اخذ يستعملها وزير الامن القومي بن غفير لإعادة بناء الشرطة وهيكليتها كي يفرض سيطرته عليها بالكامل ويعيّن مؤيديه، بهدف إضفاء سياسة محكمة لوزارة الشرطة، يفرض بالنهاية الفوضى العارمة في المجتمع العربي، تلك الفوضى التي أدت حتى الآن إلى ازدياد غير مسبوق في عدد الجرائم في المجتمع العربي ليصل في نهاية العام إلى اكثر من 250 ضحية.
وقد بات من الواضح أن هنالك أيدي خفية تعمل في هذه الوزارة على تأجيج العنف في مجتمعنا العربي، من اجل إضعافه وتقويض أركانه، كي يكون مجتمعًا خنوعًا لا يطالب بأبسط حقوقه، ويعيش مجتمعًا ضعيفًا ومستهلكًا على هامش المجتمع الإسرائيلي.
ويبدو جليًا في هذه الايام ان للشرطة دور كبير في عدم مواجهة العنف تمامًا، كما واجهته في المجتمع اليهودي، فالأموال الضخمة التي ضُخت لميزانيتها، كان يمكن لها أن تواجه هذه المشكلة وتضع الحلول المناسبة لها، لكنها تتقاعس في ذلك وتسمح للمجرمين وعصابات الإجرام أن تعيث فسادًا في مجتمعنا.
كما يتواطأ الإعلام العبري مع الشرطة ولا يشكل قوة ضاغطة وحقيقية لحلّ هذه المشكلة، حيث ان الحكومة بقيادة نتنياهو والإعلام الإسرائيلي ينظرون إلى المواطنين العرب على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، ولا يهتمون الكثير بقيد أنملة المجتمع الإسرائيلي.
أما رؤساء المجالس المحلية والبلدية، لجنة المتابعة ومؤسساتها المشلولة واللجنة القطرية بقيادتها الوليدة والنواب العرب، فإنهم لا يعملون بشكل منهجي بتشخيص المشكلة وطرح الحلول لها، فعليهم الإعلان عن إقامة مؤتمر قومي لبحث ظاهرة العنف ومواجهتها، والاستعانة بخبراء وباحثين من هذا المجتمع، يضعون الحلول لهذه الظاهرة وهذا اقل ما يمكن أن يقوم به هؤلاء، وكل ذلك بتعاضد وتلاحم بين الجماهير وكافة هذه الأجسام المنتخبة، كما يتوجب على اللجنة القطرية ورئيسها السيد مازن غنايم العمل على شرح ما يحدث في مجتمعنا محليًا إقليميًا ودوليًا بحيث يمكنه الاستعانة بصحفي عرب يعملون في الصحافة العبرية، حيث يشكلون اذرعًا في هذه الصحف محاولة اقناع الاعلام اليهودي الإسرائيلي على تغيير تغطيته في العنف في المجتمع العربي، كما يمكنه أيضًا أن يعمل على إرسال بعثات من النواب العرب، كأحمد طيبي وايمن هودي والهواشلي، الذين يقضون اوقاتهم في الكنيست، للقيام بتحرّك دولي لشرح ممارسات إسرائيل في قضايا المجتمع العربي المتعلقة بالعنف، حيث يمكن إرسالهم إلى الاتحاد الأوروبي في بروكسل ودول أوروبية أخرى، وحتى الولايات المتحدة، كما يمكنهم كتابة مقالات في صحف اجنبية عالمية عما يحدث في مجمعنا العربي في إسرائيل، إنما يحدث في مجتمعنا هو أمر تدميري بحيث يُقتل الأشخاص بدون ذنب ولا يوجد هناك أي قصاص لدولة تدعي الديمقراطية وسيادة القانون، ويبدو الامر جليًا أيضًا، خاصة خلال هذه الحرب الغاشمة على البنان وغزة.
لقد كانت التوقعات كبيرة بأن تقوم حركة عربية في هذه البلاد، تتكوّن من الطبقة الوسطى، تفرض برنامجًا إداريًا وسياسيًا يعتمد بالأساس على النهوض في البلدات العربية، لكن هذا الجيل الشاب المُتعلم، لم يقم بواجبه اتجاه مجتمعه واتجاه التغيير والحداثة، حيث أن الصراعات القبلية والعائلية، ستستمر إلى ردح كبير من الزمن، الأمر الذي يزيد في حدة العنف.
كما أن النساء لا يأخذون دورهن الصحيح في الكعكة السياسة في البلدات والمدن العربية، فهنالك نساء يُستعملن للتزيين السياسي، لكن حركة نسائية سياسية حقيقية هادفة وقوية، لم نسمع عنها بعد إلا في بعض الأماكن.
وإضافة إلى ذلك فإن نمط التفكير في العديد من قيادي القرى والمدن العربية، هو نمطي، تقليدي وغير حداثي.
فكافة رؤساء المجالس المحلية والبلدية يفكرون في توزيع الميزانيات والوظائف على الأشخاص المقربّين، ولا يوجد هناك تفكير حقيقي بجلب ميزانيات ضخمة تُصرف على البُنية التحتية، البيئة، الثقافة، المواصلات كي ترفع من مكانة ومستوى الحياة للإنسان العربي وتبعد شبح العنف عن هذا المجتمع.
ويسود عالَم الاقتصاد فكرٌ اقتصاديٌّ وسياسيٌّ مُغاير لفكرهم التقليدي، حيث إن الخصخصة هي العامل المركزي في التحديث، فبدلًا مِن أن تُصرف الميزانيات على المشاريع وتحفيز الاقتصاد والمبادرات الفردية في القرى والمدن العربية، نراهم يصرفون هذه الأموال على توظيف المُقرّبين للرؤساء، الامر الذي يُخلد الوضع الراهن السيء ويحُد مِن عملية التطوير التاريخي التي يجب أن تكون من نصيب المواطنين، بل يُساعد على تصعيد العنف وزعزعت أركان مجتمعنا العربي وعدم النهوض به إلى الأمام.
مهما يكن فإن خطة رباعية كانت أم خماسية متكاملة لمواجهة العنف من قبل منتخبينا، عليها أن تتبلور بعد هذه الليلة السوداء التي أودت بحياة الكثيرين في السادس عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني، في عرعرة، النقب، دير حنا، رهط، عرابة، سخنين، كفر قرع وعبلين.