متنفَّس عبرَ القضبان (121)
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ وقمت مذّاك بمئات الزيارات.
أصدرت كتاباً بعنوان "يوميّات الزيارة والمزور – متنفّس عبر القضبان" تناول زياراتي لأحرارنا حتى السابع من أكتوبر 2023 وتم إشهاره يوم 18.10.2024 في معرض عمان الدولي للكتاب (دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافيّة للنشر والتوزيع).
هاتفني أسير محرّر مباشرة بعد مغادرته للسجن وقال: "إحنا على حافّة القبر، بدهم يدبّونا فيه وإحنا بدنا نعيش. أن تخرج من جوف الحوت حياًّ نعمة ربّانيّة. الأسير ما بدّو تعاطف، بدّو يعيش. الناجي من يخرج من السجن يتنفّس. لو قعدت كمان شهر بتِفرق، متت مرتين/ ثلاث وانتصرت على نفسي.
ساعة مغادرة القسم وقفت في الساحة وصرخت بأعلى صوتي: وصيّتي لكم: حِبّوا بعض".
"والله لو بعرف هيك وضعك ما جيت زُرتَك"
غادرت حيفا الخامسة والنصف صباحاً ووجهتي سجن النقب الصحراويّ، 270 كلم، وبعد طول انتظار أطل الصديق الأسير هيثم جمال علي جابر (مواليد 10.12.1974، وفي الأسر منذ 23.07.2002)، لم أتعرّف عليه بدايةً رغم أنّ هذا اللقاء السادس بيننا (رتّبت زيارة 4 أسرى، منهم ثلاثة لم ألتقِهم من قبل)، أشعث الشعر وطويله جداً، مع جدّولة وشبَرَة، هيكل عظمي متحرّك، وصُدمت حين أزال الكمّامة وتعرّفت عليه، ذُهلت، وبعد أن تمالكت أعصابي قلت له بعفويّة، مع غصّة بالحلق، "والله لو بعرف هيك وضعك ما جيت زُرتَك"، وبعد الاحتضان والقبلات عبر الزجاج البغيض أخذ يستفسر عن مشقّة السفر والاطمئنان عن زوجتي سميرة والأحفاد، وبلّغته سلاماتها.
أوصلت له بداية سلامات العائلة، بشّرته بنجاح هدى ودارين بالتوجيهي وتسجيلهما للجامعة، ورسالة الأسيرة المحرّرة إخلاص التي وقّعتها "بنتك إخلاص"، وحدّثته عن زيارتي لأهله وطمأنته عليهم.
حدّثته عن لقائي بإبراهيم وإخلاص في مطعم الفلاحة بعين عريك (برفقة فراس حج محمد وابنه عاصم ومصطفى نفاع)، ومشواري لمعرض عمان الدولي للكتاب متمنيّاً مشاركته في السنة القادمة.
حدّثني عن زملاء الزنزانة؛ عمر سلمية (من إذنا/ الخليل – 5 سنوات بدون زيارة)، صابر بوذية (كفر حارس)، سامح الأسمر (مخيم بلاطة)، فادي أبو عطية (الأمعري)، محمد عثمان (عكا)، كريم عياد (بيت لحم)، إسلام عويضات (أريحا)، هشام عواد (عسكر)، ومحمد فرخ (طولكرم).
اعتدته في زياراتي السابقة مهندماً، متكَليِن ومزبِّط شبابه، وحين استفسرت عن حالته أجابني: "آخر مرة حلقت يوم 11 أكتوبر، نزلت عشرات الكيلوات، بس تشافيت من المرض بعد العمليّة، كلّنا كنّا مصابين بالإسكابيوس، والله الوضع هدّ حيلي".
أوصى بتعلّم هدى ودارين بجامعة النجاح، وهديّة نجاح كل واحدة منهما قسط كامل "إوعوا تفرّطوا بيهن وتجوّزوهن بدون تعليم!"
طلب إيصال سلاماته للعائلة وخص بالذكر والديه وأخواته نسرين وأسيل، وأخوته جميعاً.
قلق بالنسبة لكتاباته ومنشوراته وإصداراته.
طلب إيصال سلاماته الحارة لزوجتي سميرة، وإخلاص وإبراهيم، وإسراء عبوشي وهناء فياض وسلوى الطريفي.
وحين افترقنا قال لي فجأة "إطمّن، قرّبت الحلاقة... برّا".
"هواي شمالي"
بعد لقائي بهيثم جابر في سجن النقب الصحراويّ، أطل الأسير عمر عبد القادر عبد الله القواسمي (مواليد 11.02.1964)، عرّفته بنفسي وأنّني رتّبت الزيارة بناءً على طلب نجله مقداد، فانفرجت أساريره وقال بعفويّة "هواي شمالي"، وسرح مع جولاته في حيفا وعكا وباقة.
أوصلت له بداية رسالة زوجته وسلاماتها فتنعنش وانتشى، وكذلك سلامات الأحفاد والأبناء والبنات والنسايب، وحينها "تروحَن" وشطح معهم برهة من الزمن، وإيلياء بتجنّن وبتمشي، ومتابعة مقداد الحثيثة لموضوع مرضه ورفع شكوى لإدارة السجون.
أخبرني بحالته الصحيّة، الصحّة "أصلح" (بتُّ أمقت مصطلح "أحسن" بما يتعلّق بأسرانا وأوضاعهم بعد السابع من أكتوبر)، شفي من السكابيوس/ الجرَب اللعين، ووزنه صار 56 كيلو بدلاً عن 90، (أبو التسعين ممنوع يزيد عن الستّين، بموجب سياسة وتعليمات الإدارة وإجراءاتها)، تصلّحت التغذية شويّة، المناعة ضعيفة، عانى 80% من الأسرى من دمامل بالجسم وحكاك نتيجة لتفشّي السكابيوس، وتغلّبوا عليه.
حدّثته عن خطيب ابنته أسحار (مهندس حاسوب، خلوق ومؤدب، بصلّي وما بدخّن، وكريم)، وتجهيزه للبيت على أتم وجه، وأنّهم قرّروا تأجيل العرس للترويحة، طلب تحضير كرت العرس لعلّ وعسى القاضي يقصّر مدّة الأسر لدوافع إنسانيّة.
خبّرته عن مشواري للخليل وزيارة المحل بإدارة مقداد وقتيبة، وعن تحضير الدبس الخليلي (وحسبوا حسابي بدبس الموسم).
حدّثني عن زملاء الزنزانة؛ أبو فيروز (23 عام في الأسر ويعاني من مرض)، أبو جوهر (22 سنة سجن/ رام الله)، الريحاوي (22 سنة في الأسر)، أدهم بنات، ورفيق زكارنة، والتضييقات والمنغّصات التي يمارسها السجّن، وصعوبة الانقطاع عن العالم الخارجي وأخباره.
طلب إيصال سلاماته للعائلة وخص بالذكر زوجته، وابنته أسحار، والأحفاد، ومشتاق للجميع.
يتابع حِفظ القرآن ليلحق زوجته، ومشتاق كثيراً للجميع والأمل كبير.
وحين افترقنا تواعدنا بلقاء قريب في رِحاب الخليل وجولة ع الأصول.
لكما عزيزيّ هيثم وعمر أحلى التحيّات، الحريّة لكما ولجميع رفاق دربكم الأحرار على أمل لقاء قريب في فضاء الحريّة في بلد حر.