لبنان آخر في الحرب- افتتاح الدورة الثامنة عشرة لمهرجان بيروت للأفلام القصيرة
لكي أكون واضحاً من البداية وأن لا أدع مجالاً للذين يحاولون الاصطياد في المياه العكرة، أقول بصوت مرتفع وبكل عز وافتخار ان فلسطينيتي هي الأساس في حياتي المهنية والاجتماعية، وهي التي تتمتع بالأولوية في كل ممارساتي الحياتية بكافة أنواعها. فأنا طوال أكثر من خمسة عقود كان الموضوع الفلسطيني هو محور نشاطي الإعلامي على الصعيدين العربي والغربي وأرشيفي الإعلامي خير شاهد على ذلك. وما أكتبه عن لبنان، ينطلق فقط من باب التحليل السياسي، علماً بأني ترعرعت ونشأت ودرست وعملت في هذا البلد حتى مغادرتي له الى ألمانيا وبعدها الى الوطن الأم.
في الوقت الذي يتعرض فيه جنوب لبنان للدمار والتهجير والتجويع نتيجة القصف الإسرائيلي، وفي الوقت الذي أصبحت فيه غالبية ضاحية بيروت الجنوبية أكواماً من الحجارة نتيجة هذا القصف، فإن كل هذا لم يمنع الوسط الثقافي ولا سيما في العاصمة بيروت من الاستمرار في تقديم نشاطات ثقافية. صحيح أنها حالة تناقض، لكن هذا هو اللبناني كما عرفته. حرب من جهة وعروض ثقافية من جهة أخرى. وهذا لا يحدث سوى في لبنان.
تصوروا أنه في الوقت الذي تنهمر فيه الصواريخ والقنابل على الضاحية الجنوبية لبيروت، تحتفل ضاحية أخرى من العاصمة اسما "الأشرفية" بافتتاح الدورة الثامنة عشرة " لمهرجان بيروت للأفلام القصيرة” الذي يشارك فيه 92 فيلماً قصيراً من أكثر من 30 دولة، فيما يعرض 46 فيلماً (بينها 12 فيلما لبنانياً) ضمن المسابقة الرسمية التي تؤهّل كلّ فيلم روائي أو وثائقي أو تحريكي يفوز بها للمشاركة في التأهّل لجوائز الأوسكار. ويفتخر الوسط الثقافي اللبناني بأن هذا المهرجان الذي يقام في أيام حرب على لبنان، أصبح معتمداً من الأكاديمية الأميركية لفنون السينما وعلومها، كمؤهِّل لجوائز الأوسكار.
المشرفون على المهرجان لم يكتفوا هذه الدورة بتقديم أفلام عادية، بل أرادوا أدخال أفلام تتحدث عن السلام والأرض، “استجابة لما تمرّ به المنطقة العربية ولبنان وفلسطين خصوصاً، ونظراً لتلقّي إدارة المهرجان كثيراً من الأفلام حول هذه المواضيع ونظراً للحاجة الملحّة إلى التعبير عنها”، كما أكّد ذلك سام لحود مدير المهرجان. ولذلك استحدثت إدارة المهرجان مسابقة “الأرض والسلام والعدالة” تشارك فيها 10 أفلام من دول مختلفة تعالج قضايا الهوّية والانتماء للوطن والسلام.
ولكن ماذا يعني إقامة المهرجان رغم هذه الظروف التي يمر بها لبنان؟ تعالوا تسمع ما تقوله مؤسِّسة المهرجان، أليس مغبغب:" انه تحدّي لكلّ ما يواجه اللبنانيين من أزمات سياسية واقتصادية وحربية وموجات عنف لم تشهد البلاد لها مثيلاً منذ خمسين سنة”.