المستشارات للنهوض بمكانة المرأة في السلطات المحلّيّة: التزام قانوني وواجب أخلاقي وضرورة اجتماعيّة في أوقات الطوارئ
روان حلبي- في هذه الأيّام الّتي نعيش فيها حربًا وتوتّرًا أمنيًّا لا يتوقّف، تبرز بشكل خاص أهمّيّة دور المستشارة للنهوض بمكانة المرأة في السلطات المحلّيّة. حتّى يومنا هذا، هناك فجوة كبيرة بين الحاجة الاجتماعيّة والالتزام القانوني وبين الموارد المخصَّصة فعليًّا لهذه الوظيفة.
צילום: טימור דקסה الوضع في السلطات المحلّيّة العربيّة يجسّد بوضوح تام هذه الفجوة. رغم أنّ القانون يُلزِم بتعيين مستشارة للنهوض بمكانة المرأة في كلّ سلطة محلّيّة، إلّا أنّه حتّى الآن، من بين 85 سلطة محلّيّة عربيّة، تعمل في نحو 60 منها مستشارات عُيِّنَت تعيينًا قانونيًّا. مع ذلك، لا ينحصر مجال عمل المستشارات في نطاق الوظيفة، حيث تضطرّ العديد منهن لإشغال مهام أخرى إضافيّة داخل السلطة المحلّيّة، الأمر الّذي يحدّ من قدرتهن على تخصيص الوقت الكافي لأداء مهامهن كمستشارات. على سبيل المثال، أكثر من 50% من المستشارات يُشغِلْنَ المنصب بنسبٍ تتراوح بين 25% - 50%. هذه الظاهرة تعود إلى عدّة أسباب، أبرزها الميزانيّات المحدودة، غياب تعريف واضح للصلاحيّات، وأحيانًا نقص في فهم ووعي صنّاع القرار حول جدوى وأهمّيّة هذه الوظيفة ودورها المحوري.
في ظلّ فترة الطوارئ الّتي نعيشها منذ السابع من أكتوبر، وحيث أنّ احتياجات النساء تتغيّر وتتعاظم كنتيجة حتميّة مباشرة لتصاعد التوتّرات الاجتماعيّة والصعوبات الاقتصاديّة، وحيث أنّ نسب حالات العنف الأسري في تصاعد مستمرّ، تتعاظم الحاجة إلى وجود مستشارة للنهوض بمكانة المرأة، لتكون جزءًا لا ينفصل عن دائرة صناعة القرار. تُمثّل المستشارة جسرًا حيويًّا بين المؤسّسة الرسميّة والمجتمع، حيث توفّر المعلومات والخدمات المختلفة وتجعها متاحة، وتُهيّئ مساحة آمنة للحوار حول القضايا ذات حساسيّة ثقافيّة، كما يُفترض أن تكون شريكًا فاعلًا في جلسات المجلس البلدي واللجان والأطر الّتي تُتّخذ فيها قرارات تؤثّر على نمط حياة النساء في البلدة. تُدرك المستشارة تمامًا التعقيدات الاجتماعية والثقافية الّتي تميّز المجتمع المحلّي، وتُتقن قيادة تغييرات تراعي حساسيّة الظروف المحلّيّة والمكان، لا سيّما في كلّ ما يتعلق بمواجهة قضايا العنف ضدّ النساء.
عندما تحصل المستشارة على الموارد والدعم اللازمَيْن، فإنّها تنجح في قيادة تغييرات جوهريّة، بما في ذلك زيادة تمثيل النساء في مواقع صنع القرارات واتّخاذها، تطوير برامج لتمكينهن اقتصاديًّا، تعزيز سياسات داعِمة للأسرة، وإتاحة الوصول إلى خدمات حيويّة ضروريّة للنساء. على سبيل المثال، يمكنها توفير حلول تشغيليّة مرِنة للأمّهات اللاتي فَقَدْنَ أطر رعاية أطفالهن، وضمان إمكانيّة وسهولة الوصول إلى الملاجئ للأمّهات مع أطفالهن. مع ذلك، طالما لم تُخصَّص للمستشارات ميزانيّات كافية، وظيفة بدوامٍ كامل وصلاحيّات واضحة، ستبقى قدراتهن على إحداث التغيير محدودة للغاية.
في السلطات المحلّيّة العربيّة، يصبح التحدّي أكثر تعقيدًا في أوقات الطوارئ، كالّتي نشهدها حاليًّا هذه الأيّام، حيث تتأزّم حالات النساء وتتعقّد احتياجاتهن في جوانب مختلفة، كالتشغيل والحماية والأمان. تجد العديد من النساء أنفسهن دون عنوان مناسب أو جهة فاعلة يلجأن إليها، ودون استجابات تتناسب مع ثقافتهن وتراعي خصوصيّاتهن في مواجهة مشكلاتهن الخاصّة. في مثل هذا الحال، غياب المستشارة عن طاولة صنّاع القرار، يترك صوت النساء، لا سيّما النساء المستضعفات، دون تمثيل حقيقي مناسب، ودون استجابة جدّيّة ملموسة على أرض الواقع.
آن الأوان ليضمن صنّاع القرار تعيين مستشارة للنهوض بمكانة المرأة، وبدوام كامل في كلّ سلطة محلّيّة، لا سيّما في السلطات المحلّيّة العربيّة، مع تخصيص ميزانيّة ملائمة كافية، وصلاحيّات واضحة تُمكّنها من أداء دورها بفاعليّة وكفاءة.
من واجب مجتمع ملتزم بالمساواة الجندريّة أن يدعم هذه الوظيفة الحيويّة في السلطات المحلّيّة من خلال تخصيص موارد كافية ومناسبة، وتحديد صلاحيّات واضحة. بهذه الطريقة فقط، يمكننا ضمان تمثيل مناسب ودعم كافٍ وفرص متكافئة لجميع النساء، بغضّ النظر عن الدين أو العرق. في ظلّ الحرب وحالة الطوارئ الّتي نعيشها هذه الأيّام، يصبح هذا الواجب غير مقتصرٍ على كونه التزامًا قانونيًّا فحسب، بل هو واجبنا الأخلاقي أوّلًا وقبل أيّ شيء آخر.
الكاتبة هي مديرة مشروع المستشارات للنهوض بمكانة المرأة في السلطات المحلّيّة العربيّة بجمعيّة إيتاخ مَعَكِ - حقوقيّات من أجل العدالة الاجتماعيّة.